منشورات جديدة

شاعر الأندلسي بن زيدون(العشق والفراق)

📂مدخل لمعرفة ابن زيدون

ابن زيدون هو شاعر أندلسي، عاش بين عام 394 هـ / 1003 م. وبداية رجب عام 463 هـ / 4 أبريل 1071 م. تميزت كتاباته النثرية والشعرية بالجودة والبلاغة، ورسائله من أجمل ما كتب في الأدب العربي، حتى أصبح من أبرز شعراء الأندلس المبدعين، وأجملهم في الشعر ، وأدقهم وصفا، وبارع في تجسيد الخيال مع الواقع. 


بحيث تميز بخيال صافي جميل، يدخل القلوب دون إستئذان. فقصائده صور فنية قمة في الإبداع. ومازال الناس يرددون أشعاره ليومنا هذا. لصدق الإحساس، والذي كان وليد ظروف صعبة عاشها ابن زيدون. خلقت منه شاعرا متميزا، نقش إسمه بجدارة في سجل الأدب العربي.

🌟ابن زيدون ميلاده ونشأته

ولد الشاعر "أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن غالب بن زيد المخزومي" في الرصافة بأطراف قرطبة، وهي الضاحية التي أنشأها {عبد الرحمن الداخل} في قرطبة، واتخذها حديقته ومتنزها له، وأيضاً مقرًا لحكمه. 

ونقل إليها النباتات والأشجار النادرة، وبرع في شق الجداول المبهجة بين الزهور والأشجار، وكأنها جنة صغيرة. حتى أصبحت أسطورية لروعتها وأناقتها، مما ألهم العديد من الشعراء للكتابة والإبداع.

نشأ ابن زيدون في هذه الأجواء الرائعة والمناظر الخلابة. بحيث انفتحت عيناه على هذه المشاهد الساحرة والطبيعة الجميلة، فتشبعت روحه بذلك الجمال الساحر، وانفتحت مشاعره، ونمت ملكاته الشعرية والأدبية في هذا الجو الرائع البديع.

ينتمي ابن زيدون إلى قبيلة بني مخزوم العربية، التي احتلت مكانة مرموقة في عصر ما قبل الإسلام. واشتهر أهلها بالفروسية والشجاعة. كان والده فقيهًا من قرطبة وأحد علماء المدينة القلائل. وكان أيضًا ضليعًا في علوم اللغة العربية ، وله معرفة واسعة بالفنون الأدبية، وملمًا بالثقافة والعلوم.

كان جده يدعى"محمد بن محمد بن إبراهيم بن سعيد القيسي". وهو جده لأمه، ومن العلماء البارزين في عصره، وكان مهتمًا للغاية بالعلوم والمعرفة، وتولى القضاء في مدينة "سالم"، ثم تولى الشرطة بعد ذلك في مدينة "قرطبة".

🌟بن زيدون وكفالة جده

ولما بلغ "ابن زيدون" الحادية عشرة من عمره توفي والده، وتولى جده تربيته، وقد فعل ذلك بصرامة وحزم. واهتم الجد بتربية حفيده وتعليمه كل العلوم، ومن بينها اللغة العربية ، والقرآن ، والقواعد ، والشعر ، والأدب ، وغير ذلك من الموضوعات التي كان يدرسها العامة وقتها. وقد تفانى في تلقينه على يد أفضل المدرسين. 

بدت على ابن زيدون الفطنة والذكاء منذ صغره. بالإضافة إلى قدرته على الإستيعاب التي أنعم بها الله عليه، والحب الذي زرع فيه إلى العلم والشعر، وفنون الأدب، فقد إستغل الأسرة الثرية التي جاء منها، واستفاد جيدا من الرعاية الواعية لجده. وأصدقاء والده، وعاش في مستوى اجتماعي وثقافي عالٍ المستوى.

🌟إبن زيدون وتعليمه

لا شك أن ابن زيدون استند في خبرته الثقافية واللغوية والأدبية الواسعة، إلى عدد هائل من المثقفين في عصره، وكبار قادة الفلسفة والأدب في الأندلس، ومن أبرزهم أبو بكر مسلم بن أحمد بن أفلح النحوي. وقد كان مسلماً متديناً، وثروة من العلم والمعرفة، وكان يتقن اللغة العربية والشعر.

كما أجرى ابن زيدون اتصالات مع العديد من الشخصيات التاريخية والكتاب المشهورين، ومن بينها صداقته بأبي الوليد بن جهور، الذي كان وليا للعهد ثم أصبح حاكما، وكان ابن زيدون حافظا للقرآن الكريم مجيدا لتلاوته. ومن اهتماماته سماع العلم من الشيوخ والسرد عنهم، وتوطدت علاقته أيضًا بأبي بكر بن ذهب الذي كان متوليا منصب الوزارة.

🌟ابن زيدون وزيرا

 كان ابن زيدون عضوا في نخبة شباب قرطبة، لذلك كان من المنطقي أن يكون حاضرا في الأحداث التي تعيشها. لعب ابن زيدون دورا حاسماً في سقوط الخلافة الأموية في قرطبة.

وكشاعر معروف، لعب أيضًا دورًا حاسمًا في تشكيل حكومة جمهورية بقيادة ابن جهور، لكنه فعل ذلك من خلال إدارة وتشجيع السياسة، وحشد الناس للسياسة بدلاً من السيف والصراع. وسخر شهرته وثروته وتصريحاته العامة من حيث التأثير على الجماهير. والتأثير على الرأي العام، ودفع الناس إلى الغاية التي يريدها.

وفي ولاية "ابن جهور"  أصبح ابن زيدون وزيرًا، واعتمد عليه في الوساطة بينه وبين الممالك المجاورة. ولكن ابن زيدون رفض بعد ذلك أن يكون ظلا للحاكم. فانسحب من منصبه محاولا التحرر من تلك المسؤولية. إلا ان أعدائه شككوا في ولائه للحاكم. ونجحوا في ان يوقعوا بينهما، حتى انتهت علاقة الشاعر والأمير.

🌟ابن زيدون وولادة بنت المستكفي

كان ابن زيدون شاعرا حساسا، وألهمت شعوره وأحاسيسه زهرة من البيت الأموي، وقد كانت ابنة أحد الخلفاء الأمويين. وقد أصبحت ملهمته في اشعاره "ولادة ابنة المستكفي".

وكانت ذو أخلاق حميدة، وآداب وسلوك لاقى إستحسانا من الجميع.  وأشاد بها العديد من معاصريها من الكتاب والشعراء، وأثنوا عليها وعلى بلاغتها، وروح الدعابة وسرعة البديهة التي تميزت بهما، إضافة إلى الإستعداد الأدبي الكبير، مع جمال الشكل والحسن والدلال. فقد كانت من نادرات زمانها. 

ففتحت قصرها لكل الشعراء والأدباء والشخصيات البارزة. وذلك بعد سقوط الدولة الأموية. وأقامت صالونات ثقافية ومنتديات شعرية وأدبية. فتهافت عليها كل المثقفين والشخصيات البارزة متوددين إليها. ومعجبين بما تميزت به من أدب وعلم.

وكان أبو عبد الله بن القلاس وأبو عامر بن عبدوس، من أقوى المنافسين لابن زيدون في حبها، ومن أبرز الأدباء والشعراء الذين حضروا ندواتها، وتنافسوا معه في التقرب إليها. ولكن سرعان ما انسحب ابن القلاس، بعدما تهجم ابن زيدون عليهما بأبيات لاذعة. وقصائد تدوالها العامة. 

ومن ناحية أخرى ، كان "ابن عبدوس" لطيفًا معها، ولم يستسلم، بل حاول التودد إليها. وأرسل لها رسالة لإغرائها. ولما اكتشف "ابن زيدون" ذلك، كتب له رسالة مضحكة على لسان "ولادة". أهانه فيها، وجعله أضحوكة على كل لسان. مما أغضبه. فركز جهوده في تحريض الأمير عليه حتى سجنه، وفتح الطريق أمام "ابن عبدوس" لاستعادة ولاء "ولادة"، وكسب مودتها. 

دخول ابن زيدون السجن وفراره منه لقد قام بن عبدوس بمؤامرة خسيسة. بحيث حذر الحاكم بن جهور من خطورة بن زيدون. وانه يعشق ولادة ذو الأصول الأموية. وأنه يحاول إسترجاع أمجاد الأمويين في الأندلس. فنجح في الوقيعة بينهما. فسجنه بن جهور خوفا على ملكه. 

فشلت توددات ورسائل "ابن زيدون" في إثارة تعاطف الأمير. حتى تمكن من الفرار من سجنه إلى "إشبيلية". وهناك كتب إلى ولادة قصيدة من أجمل قصائد الشعر العربي. وهي القصيدة النونيه الشهيرة. 

☆☆أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا
☆☆وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا

☆☆ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ، صَبّحَنا
☆☆حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا

وبعد أن عفا عنه الأمير، عاد إلى "قرطبة". وبالغ في مغازلة "ولادة"، لكن علاقتهما لم تتعافى، رغم أن ابن زيدون استمر في ذكره لها في شعره. وكرر اسمها طوال حياته.

وبعد وفاة الأمير، تولى الحكم نجله "أبو الوليد بن جمهور". الصديق المقرب لابن زيدون، وبدأ فصل جديد في حياته. تمتع فيها بالحرية والإمتياز والمكانة الرفيعة.

إلا أن خصوم الشاعر ومنافسيه، استمروا في ملاحقته بالشائعات والإغراءات والمكائد. حتى اضطر  إلى الفرار من قرطبة إلى إشبيلية، حيث عامله المعتضد بن عباد بلطف. وجعله من نخبته وأصحابه وجلسائه تكريمًا له. 

في إشبيلية والمنزلة الرفيعة استطاع ابن زيدون أن يرتقي درجات ومناصب في بلاط "المعتضد". حتى أصبح المستشار الأول للأمير، وعهد إليه "المعتضد" بالسفارة بينه وبين أمراء الطائفة في الأمور المهمة. ثم جعله في مرتبة أعلى من وزرائه ، لكن ابن زيدون كان يتطلع إلى الكتابة، وهي من أهم مناصب الدولة ، وتمكن فعلا من تقلد ذلك المنصب. وأصبحت كل مقاليد الأمور بين يديه. 

أمضى ابن زيدون عشرين عاما في البلاط، حيث ارتقى إلى أعلى رتبة، وتقلد أهم المناصب وأكثرها خطورة. وعندما توفي "المعتضد"، خلفه ابنه "المعتمد بن عباد" في منصب الحاكم، وكان على صلة وثيقة بابن زيدون كتلميذ لمدة عشرين عامًا، وكانت هناك العديد من النقاشات الشعرية اللطيفة بينهما. وصداقة قوية كانت تجمعهما. 

🌟المؤامرة على بن زيدون

وحاول خصومه الوقيعة بينه وبين الأمير الجديد، معتقدين أن الفرصة قد أتيحت بعد خلافة "المعتمد" لوالده على العرش. ولكنه الحاكم كان اذكى فوبخهم وعنفهم بأبيات قال فيها:
☆☆كذبت مناكم، صرّحوا أو جمجموا
☆☆الدين أمتن، والمروءة أكرم
☆☆خنتم ورمتم أن أخون، وإنما
☆☆حاولتمو أن يستخف "يلملم"

وكان ابن زيدون عند حسن ظنه به، وبذل قصارى جهده في خدمته وكان مخلصًا له، وكان أفضل نصير له في فتح قرطبة ؛ ثم أرسله المعتمد إلى إشبيلية على رأس جيشه لقمع الفتنة التي نشأت فيها، ومرض ابن زيدون بعد ذلك وأضعفته الشيخوخة. وتوفي في الأول من رجب 463 هـ / 4 أبريل 1071 م ، عن عمر يناهز 68 عامًا ، بعد وقت قصير من إتمام مهمته.

🌟أسلوب بن زيدون في الشعر

كان من الواضح أنه كان مهتمًا بوصف الطبيعة في شعره من خلال تصوير مشاعر الحنين واللوعة. وقد كان شعره ساطعًا وجميلًا وممتعًا، لدرجة أن جمال الطبيعة الخلاب يمكن رؤيته بوضوح فيه. يعبر شعره عن العواطف المتدفقة بأناقة. من خلال الجمع بين الطبيعة الرائعة والخيال. 

لقد كان بارعًا في التعبير عن الحب من خلال مجموعة واسعة من المشاعر ، إضلفة إلى شعره عن الفراق والتعبير عن الشوق والانكسار والمعاناة. وكلنا نعلم جيدا النونية الشهيرة التي تجسد ذلك. ونختم موضوعنا بقصيدته عن الزهراء، والتي كانت قريبة من قرطبة. بحيث حملنا بن زيدون إلى الطواف فيها بصورة ساحرة. حتى نعلم كيف تنصاع الكلمات والتعابير له. وكأنه يرسم بريشة رسام. ومطلعها:

☆☆إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا
☆☆والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
☆☆وللنسيم اعتلال في أصائله
☆☆كأنه رقّ لي فاعتل إشفاقا

🌟بن زيدون في النثر

لم يقتصر شعر ابن زيدون على الشعر. بل أيضا اشتهر بالنثر وأبدع في كل فنونه، ولديه العديد من الكتب النثرية. مثل الرسالة الهزلية والتي كتبها على لسان حبيبته ولادة بنت المستكفي، والتي تميزيت بالنقد الساخر واللاذع لابن عبدوس. وجعلت منه أضحوكة وسخرية.

ورسالته الجدية والتي كتبها من السجن. وهي رسالة إستعطاف وتودد. ورسالته عند هروبه من السجن وعودته إلى قرطبة، والتي تعد من أشهر وأرفع الرسائل من حيث الجدارة الفنية والأدبية لابن زيدون. فقد إستعمل أسلوبا أكثر من رائع. ظل خالدا وأغنى المكتبة العربية.

الكتاب التاريخي المهم "التبيين" عن تاريخ الأمويين، والذي تحدث عنه العديدين من الكتاب الذين عاصروه. لكن الكتاب ضاع ولم يبق منه سوى عدد قليل من النسخ. وجمعت في كتاب سمي [نفح الطيب] .


إقرأ أيضاً:👇👇


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-