منشورات جديدة

قصة علي بن الجهم مع المتوكل

💬من هو علي بن الجهم 

نبذة سريعة عن حياته قبل القصة الشهيرة مع المتوكل.

هو علي بن الجهم ولد سنة (804 - م) الموافق لسنة 188 للهجرة في مدينة بغداد، ينحدر الشاعر لأسرة عربية أصلها من قريش ، مما أكسبه ذلك فصاحة في اللسان، والموهبة الشعرية والقوة والرزانة. 

سلك الشاعر الحياة السياسية والدينية وتأثر بها. فقد نشأ في زمن يعج بالخلافات السياسية وانتشار المذاهب المتنوعة. 

وكان في زمن الدولة العباسية، حيث عاصر فترة حكم المأمون والمعتصم والواثق بالله ، وقد ربطته عدة علاقات فكرية مع عدد من رموز العصر كالإمام أحمد بن حنبل والشاعر أبي تمام واشتهر بانتصاره لمذهب أهل الحديث. في أشد الأيام صعوبة على المسلمين.

قصة علي بن الجهم مع المتوكل

🌟اشهر قصص بن الجهم

ومن أشهر قصصه التي رويت عنه. كانت مع الخليفة المتوكل.

 فقد كان الشاعر بدوي. وعاش في بيئة بدوية صحراوية وقاحلة. كأغلب بوادي الأعراب آنذاك. فأكسبته خشونة في التعامل والكلام. 

ورغم ذلك كان متمكنا من اللغة وفصيح اللسان. فقصد بغداد راجيا التودد إلى الخليفة. وكسب مودته وعطائه. فإستأذن المثول بين يدي الخليفة. فأذن له ووقف بين يديه في مجلس يعج بأهل الفكر والأدب والغناء.

فأمره المتوكل أن يقول ما عنده من شعر. 

فبدأ بالإنشاد 

أنت كالكلب في حفاظك للود
و كالتيس في قراع الخطوبِ
        🍁🍁🍁🍁
أنت كالدلو، لا عدمناك دلوًا
من كبار الدلا، كثيرَ الذنوبِ

فإندهش الحاضرون في مجلس الخليفة من بشاعة التعبير. مستغربين من هذا الشاعر الذي يمدح الخليفة بأنه كالكلب في حفظه للود، وكالتيس في مواجهته للمصاعب والأخطار، وكالدلو الذي يحمل الماء و يجلبها ــ كثير الذنوب ــ اي غزيرة من قاع البئر
فعم الغضب والسخط المكان. فأمروا بقتله وسط غضب عارم.لبشاعة وصفه وتجرأه على الخليفة.

إلا أن المتوكل كان له رأي آخر. فقد علم حسن مقصده. وادرك من الوهلة الأولى بلاغة وفصاحة الشاعر مع خشونة لفظه، فقد كان المتوكل مشهورا بالذكاء والفطنة، وأن البيئة القاسية التي كان يعيش فيها هي التي أثرت في أسلوبه. حتى أتى بهذه التشبيهات والصور والتراكيب...

فأمر المتوكل له بدار على شاطئ نهر دجلة. بها بستان يدخله النسيم يغذي الروح. وأقام بها ستة أشهر. بحيث يخرج الشاعر الى محال بغداد يُـطالع الناس. ويشاهد مظاهر مدينتهم وحضارتهم وترفهم.

فأقام الشاعر "علي ابن الجهم"  على هذه الحال، والعلماء يتعهدون مجالسته ومحاضرته، إضافة إلى مناظرات شعرية وأدبية، وأيضاً مجالس للطرب والغناء في حديقة بيته، مع الجواري الحسناوات والطبيعة الخلابة، التي تحيط به من كل جانب.

ثم بعد ذلك إستدعاه الخليفة مرة أخرى إلى مجلسه. وهو يحمل قصيدة جديدة ...ونظمها بطريقة مختلفة تماما عن القصيدة السابقة. فكانت المفاجأة... قصيدة من أجمل الشعر و أعذبه... يقول في مطلعها:

 

عيون المها بين الرُّصافة و الجسر

جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري 
 🍁🍁🍁🍁

خليليَّ، ما أحلى الهوى ، وأمـرَّهُ

وأعرفني بالحلو منه وبالمُر
 🍁🍁🍁🍁

بيننا من حُرمةٍ هل علمتما

رقَّ من الشكوى، وأقسى من الهجرِ
🍁🍁🍁🍁

وأفضح من عين المُحب لسِـرّهِ

ولاسيما إن أطلقت دمعـة تجري

يقول المتوكل: انظروا كيف تغير به الحال، والله خشيت عليه ان يذوب رقة و لطافة. 

ذاعت شهرة القصيدة في كل أنحاء بغداد. فأكثر له العطاء المتوكل فرحا. فقد إنتصر مرتين. الأولى عندما منع قتله. والثانية عندما أصلح ذوقه. وأثبت للناس حكمته وحسن تصوره وعمق فكره. فشتان بين القصيدة الأولى والثانية.

لذا فالقصة من أجمل القصص التي تدل على أن الإنسان إبن بيئته. فأسلوب الفرد ومعاملاته، رهينة بالبيئة التي أتى منها. والتغير ممكن إذا تغيرت الظروف.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-