✅المعنى الحقيقي لترتيل القرآن
ورتل القرآن ترتيلا، ليس معناه التجويد أو القراءة المتكررة. كما يفعل القراء المشهورين بجودة الصوت. فذلك تجويد القرآن وليس الترتيل. أما الترتيل المقصود في القرآن فهو شيء آخر.
فالرتل هو فك أرتال القرآن، بمعنى محاولة إستنباط الدلالات القرآنية من القرآن نفسه. فهو ليس كتاب بشري حتى تفك رموزه بالمعجم الوسيط أو أي معجم آخر.
🌟معاجم اللغة ومعناها
فالمعجم هو صناعة بشرية. وهي قواعد وضعها الإنسان لفهم اللغة، وتقنينها بقواعد، حتى يسهل فهم المعاني، وإعطاء الشعر والنثر جمالية. وإزالة الشوائب التي ممكن ان تشوه اللغة.
لذا يلزم وجود قواعد تضبطها وتعطيها صبغة علمية. لذا فنجد إجتهادات كثيرة منذ نشأة اللغة العربية إلى يومنا هذا. ومراحل متسلسلة مرت بها اللغة. وكل مرحلة مختلفة عن المرحلة التي سبقتها.
🌟الشعر الجاهلي
فالشعر والنثر الجاهلي. ليس كالمعجم أو الكلمات المستعملة في العصر الأموي أو العباسي. وأيضا العصر الحديث. فقد أضيفت للغة أشياء كثيرة، وتغيرت كليا.
فإذا قرأنا كمثال الشعر الجاهلي، لن يفهم منه القارئ البسيط شيئا، إلا إذا إستندنا إلى معجم او قاموس يوضح لنا المعاني والتعابير التي إستعملت وقتها. حتى نستطيع فهمها وفك رموزها، وستبدوا للعديدين من الوهلة الأولى صعوبة المعاني والتعابير.
وهي ليست صعبة بالنسبة لمن عاشوا تلك الحقبة الزمنية. فهي لغة ذلك الوقت، والتي كانت متداولة حينها. فالكلمات مختلفة كليا عن التي تستعمل في وقتنا الحالي.
وكمثال: قصيدة إمرئ القيس في وصف الفرس. فيستهل قصيدته ب
وقد أغتدي والطير في وكناتها
🐥🐥بمنجرد قيد الأوابد هيكل
وهذه قصيدة سهلة مقارنة بقصائد أخرى أكثر تعقيدا. ولكنها عادية بالنسبة لمعاصري تلك الحقبة الزمنية. لذا نجد أن الشعر الحديث سهل الفهم وبسيط المعاني.
ولكن الحقيقة هو أنه بلغة زماننا. والكلمات المستعملة في الشعر هي متداولة. فيسهل على المتلقي فهم المعنى. لذا فاللغة العربية كباقي اللغات، تعرضت لتغيرات عديدة. على حسب الفترات الزمنية التي مرت بها.
🌟كيفية فهم القرآن
أما القرآن فنزل بلسان القوم الذين عاشروه. ورغم ذلك يفهم في جميع المراحل التاريخية التي مر بها. وهذا من أسباب إعجازه اللغوي. رغم أنه لا يخلوا من بعض الكلمات الغير المفهومة للعامة.
ولكتها لا تفقده جماله. وتستطيع إستخراج المعنى من خلال سياق الآيات. إضافة إلى أن القرآن ليس فيه ترادف. وسنتطرق بالتفصيل في الموضوع القادم إلى الترادف في القرآن. لكن موضوعنا اليوم هو المعنى الحقيقي للترتيل.
لذا فالقرآن يفصل ويشرح من القرآن نفسه. بحيث ننتبع الكلمات المستعملة في مواقع مختلفة. ونرى هل يتغير المعنى مع سياق الجملة. أم ان معنى الكلمة يظل ثابتا رغم تغير سياق الجملة. فالقرآن ليس فيه حشو أو زيادة أو نقصان. على غرار الشعر والنثر.
قال تعالى:
"الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ"
(سورة هود الأية 1)
صدق الله العظيم
يعني الآيات فصلت من القرآن نفسه، وأحكمت بحيث لا يوجد لغو ولا حشو ولا زيادة. بحيث أن تتبع المعتى في الآيات الأخرى، حتى تصل إلى المعنى الحقيقي. فهي فصلت وشرحت من لدن الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى:
"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ"
(سورة النحل الأية 89)
صدق الله العظيم
يعني هذا الكتاب يتطرق لكل المواضيع. ففيه تبيان لكل المعضلات. فقط يحتاج إلى التدبر. وميسر للذكر والتلاوة بمعانيه الجميلة، وقصصه المليئة بالعبر. وذو جمالية في التعبير والبلاغة والقافية. حتى يسهل على المتلقي تلاوته وحفظه.
كما قال تعالى:
"وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ"
(سورة القمر الأية 22)
صدق الله العظيم
وأيضا البحث فيه لإستخراج الأحكام والتشريعات، وكل ما يخص القيم والأخلاق. فهو كخارطة طريق لكل إنسان. وأيضا عن طرق مناجاة الله والتقرب منه. من تسبيح وإستغفار. فيكون بذلك مجتمعا سويا، في الحياة العملية وفي العلاقة الروحية مع الله سبحانه وتعالى.
لذا يجب فك أرتال القرآن من خلال الآيات. وفهم المعنى المقصود من الآية. وفهمه يكون عن طريق شرح الله له، لا عن طريق المعاجم المتعددة للغة العربية.
🌟لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة
قال تعالى:
"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا"
(سورة الفرقان الأية 32)
صدق الله العظيم
لذا فمن طلبات الكفار أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة. يعني بمعنى مباشر وواضح. لا أن ينزل بأجزاء، وعلى أحداث ووقائع.
فمن إعجاز القرآن أنه أنزل على فترات. لذا فهو يحوي بين طياته وقائع حدثت وقتها. ولشرح تساؤلات كانت تطرح على الرسول.
وهنا تم نفي أن القرآن كان مكتوبا. وأنه منقول من الديانات السابقة كما ادعى بعضهم. فهو ينزل على الحدث وقت وقوعه. وهناك أمثلة كثيرة ومتعددة سنذكر بعضها.
🌟الناس تسأل والقرآن يجيب
قال تعالى:
"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ"
(سورة البقرة الأية 222)
قال تعالى:
"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ"
(سورة البقرة 220)
صدق الله العظيم
فهو يجيب عن الأسئلة التي كانت تطرح على الرسول، فيأتي الرد من الله سبحانه إجابة لهم. وأيضا إلى الأمم التي سوف تسأل نفس السؤال بعد ذلك.
وهذا دليل أيضا على أن الرسول لا يستطيع تحريم أو تحليل شيئا بعيدا عن القرآن. فهو منضبط بالنص القرآني، ويشرع بما أنزل الله. وهذا بمثابة طعن في التراث الذي نسب إلى الإسلام. وشوه صورة الرسول والمسلمين، بأحاديث نسبت إليه. وشوهت صورة الإسلام.
🌟تنبيه ولوم الله للرسول
قال تعالى
والآن سنتطرق إلى آيات يلوم فيها الله الرسول، على وقائع حدثت مع قومه. وكل هذا من إعجازات القرآن. فالرسول كان مصاحبا لقومه وزوجاته. فعندما تقع حادثة، وتنزل آية بذلك الإحكام في المعنى والوصف، مع دقة التعبير. فذلك يعزز مكانة القرآن ويكون ردا صاعقا عن المشككين فيه.
عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ
(سورة عبس)
قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
(سورة التحريم)
صدق الله العظيم
فهذه الآيات فيها تنبيه ولوم من الله سبحانه للرسول. وبالتالي فهي تأكيد على الإعجاز الذي ذكرناه سابقا. ونفي للمعجزات التي نسبت إلى الرسول. والتي لم يذكرها القرآن.
فهو بشر كباقي البشر معرض للخطأ. فهو كباقي البشر في مقام النبوة. ولكن طبعا ذو أخلاق رفيعة. وغير معرض للخطأ والنسيان في مقام الرسالة.
لذلك قال تعالى:
"وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ"
(سورة النجم الأية 3)
صدق الله العظيم
فهو نطق القرآن كما أوحى الله له بذلك. فهو لم يقله بأسلوبه، بل نقله حرفا عن جبريل. ولا مجال للخطأ في ذلك. فالله حفظ القرآن، لذا ففي مقام الرسالة فهو معصوم من الخطأ.
فالحديث الصحيح الذي يقول أن الرسول سحر، وكان لا يعلم ما يقول وكان يهذي. فهو بمثابة طعن في الرسالة. وربما قيل بعدها أن تلك الآية قالها وهو مسحور. حتى نعلم مدى الإساءة التي تعرض لها الدين، بنسب أقوال وأفعال للرسول غير القرآن.
لذا فهناك غزوات قام بها الرسول قد تم ذكرها في القرآن. وأحداث لا حصر لها نزلت في وقت الحدث. وكما قلنا هذا يأكد مصداقية هذا الكتاب العظيم.
🌟معنى ورتلناه ترتيلا
الآن أثبتنا لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة. فتتمة الآية لنثبت به فؤادك، حتى تعلم ويعلم الناس أنه الحق من عند الله.
ثم بعد ذلك ورتلناه ترتيلا. يعني يجب علينا قراءته بعقولنا وجمع أرتاله، لنفهم المعاني. ونصل إلى مغزى كل آية من خلال معجم إلاهي. فصلت آياته وأحكمت بدقة.
وكل معنى في مكانه، فأصبح كتابا متجددا، يستطيع أن يساير كل الأزمنة وكل العقول. ولا يمكن أن يحصر في فهم معين. كما يفعل المسلمون الآن.
فالعقول والعلم يتطور. ومعه تتطور المفاهيم والشروحات. ولا يجب أن نراه بعقول الأسلاف والسابقين. فالمجتمعات تتطور ومعها تتطور المفاهيم. ومن إعجازه أنه يساير كل الأمنة وكل العقول.
🌟مثال عن الترتيل
والآن سنتطرق إلى شرح مبسط، ومثال من القرآن لمفهوم الترتيل.
قال تعالى:
"يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ"
صدق الله العظيم
حتى نعرف كمثال ما معنى الثوب في الآية. وهل يقصد أن ننظف ثيابنا أم شيء آخر. فلا يعقل أن يكون المعنى سطحيا، وأن الله يقصد الثوب. وكما قلنا فهو كتاب مليء بالمعاني والدلالات التي تحتاج إلى ترتيل. لذا يجب أن نبحث عن الآيات الأخرى التي ذكر فيها كلمة ثوب.
قال تعالى:
هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ
صدق الله العظيم
وكلمة رجل ثيب في جميع المعاجم، تعني الرجل المتزوج. لذا فبقول الله سبحانه هن لباس لكم، يعني هن الثياب الذي تلبسونه. فإن طهر الثوب طهر مظهر الشخص. لذا قال الله للرسول وثيابك فطهر. يعني أن تختار جيدا قرينتك وزوجتك. فهي ثيابك وصورتك أمام الناس، فإن طهرت، طهرت أنت أيضا، يعني بيتك.
ومن باب المساواة، في الإسلام. لم يقتصر الحديث عن الرجل فقط. بل قال سبحانه وأنتم لباس لهن. فالرجل الطيب التقي العفيف، هو أجمل لباس ممكن أن تتحلى به المرأة. لذا فالبيت بطهر أو يدنس على حسب شخصيهما. لذا فكل بختار الثوب الذي يناسبه. لذا قال تعالى الطيبون للطيبات. فإن صلح الزوجين صلح البيت. لذا فالثوب هنا هو البيت
قال تعالى:
"إِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ"
صدق الله العظيم
وهنا معنى استغشوا ثيابهم. أي دخلوا بيوتهم حتى لا يسمعون.
وهذا الشرح البسيط، هو مفهوم الترتيل الحقيقي، وجمع أرتاله وفهمها. والقرآن مليء بمعاني من هذا القبيل والتي تحتاج إلى التدبر. حتى يتحقق لنا المعنى. ويصل إلينا مغزى الآيات. لا أن نتلوا القرآن بعقول ساهية، تكرر الكلام من غير أن تعلم فحواه. كما فعل الذين حملوا التوراة ولم يحملوها.
قال تعالى
"مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا"
صدق الله العظيم
فهم حملوها دون أن يفهموا او يستوعبوا ما حملوا.
لذا ففي القرآن قصص وأمثال لمن يريد أن يتعظ أو أن يفهم. فالقرآن يقرأ بعقول باحثة متدبرة. لا ان يدخل عليه أحاديث واهية. وقصص خرافية تفقده معناه. وتحوله إلى كتاب محصور بأفكار متخلفة ومتطرفة. فالإسلام دين الرحمة ولا يجب أن نشوش عليه بكتب دخيلة على الإسلام. لذا يجب أن نتفحصه جيدا، وأن نرتله ترتيلا.
إقرأ أيضاً: