منشورات جديدة

القاضي وإبن الزنا

💬القاضي والإخوة الثلاثة  

يحكى أنه كانت هناك قبيلة إسمها بني عرافة. وكانت شهيرة بذكاء أهلها وفطنتهم. لذا فالإسم نسبة إلى ان أفراد هذه القبيلة يتميزون بالمعرفة والعلم إضافة إلى ذكاءهم الحاد.


القاضي وإبن الزنا

🌟الشيخ الحكيم 

وإشتهر رجل كبير وحكيم وبالغ الذكاء، يشع العلم والنور من وجهه.  لذا كان الناس كلهم يلجؤون إليه مشاكلهم وتدبير شؤونهم المستعصية. وكان لديه ثلاثة أبناء. وسماهم جميعا بنفس الإسم لحكمة لا يعلمها إلا الشيخ الحكيم والله سبحانه. وكان الإسم الذي إختاره لهم هو (عبد الله) . 

🌟الوصية الغامضة 

ومضت الأيام وكبر الأبناء وجاء أجل الشيخ الحكيم. وقبل ان يموت كان قد كتب وصية غامضة لأبناءه يقول فيها:

( عبد الله يرث، عبد الله لا يرث، عبد الله يرث). 

وبعد أن قرأ الأبناء الوصية حاروا فيما بينهم. وكيف السبيل لمعرفة من منهم لا يرث. 

وبعد مشاورات طويلة وسؤال الناس عن الحل، إهتدوا إلى قاضي عرف بالذكاء والحكمة وتخصصه في الأمور المستعصية. وكان القاضي يسكن بعيدا عن قبيلتهم. فشدوا الرحال إليه عسى أن يهتدي إلى حل لمعضلتهم. 

🌟الجمل الضائع 

 وأثناء الطريق وجدوا رجلا يبحث عن شيء ما، فقال لهم الرجل : هل رأيتم جملا ؟ 

فسأله عبدالله الأول : هل جملك أعور ؟ فأجاب  الرجل نعم. 

فسأله عبدالله الثاني : هل جملك أقطب الذيل ؟ 

فأجاب الرجل نعم .

فسأله عبدالله الثالث : هل جملك أعرج ؟

فأجاب الرجل نعم .

فتصور الرجل أنهم رأوه، لأنهم وصفوا الجمل وصفا دقيقا ومطابقا له. 

 ففرح وقال : هل رأيتموه ؟ فاجابوه : لا لم نره !

فتفاجأ الرجل كيف لم يروه وهم وصفوه له بتلك الدقة. 

فشك فيهم وإتهمهم الرجل بسرقة الجمل لمعرفتهم كل أوصافه. 

🌟القاضي العادل وتهمة السرقة

فقالوا : لا والله لم نسرقه. ولو كنا سرقناه فأين هو الجمل، وكيف سنخفيه في هذا القفار. 

فاصر الرجل على قوله وهددهم انه سيشكوهم إلى القاضي. 

فقالوا له: على كل حال نحن فعلا ذاهبون إلى القاضي فلترافقنا إليه. 

🌟براءة الفتيان الثلاثة

فوافق وذهبوا جميعا إلى القاضي. وعندما وصلوا إليه، وشرح كل منهم قضيته، دعاهم إلى وليمة غذاء من بعد ما عانوه من السفر. 

ثم بعد الغذاء سأل القاضي عبد الله الاول:

كيف عرفت ان الجمل اعور؟ 

فاجاب عبد الله الأول :

لأن في غالب الأحيان الجمل الأعور يأكل من الجهة التي يرى منها. ولا ياكل العشب الذي في الجهة الاخرى. لأنه لا يراه بكل بساطة. وقد رأيت في المكان الذي ضاع فيه الجمل آثار مكان أكل الجمل. وأن العشب اكل من جهة واحدة ققط، فإستنتجت انه أعور. 

ثم سأل القاضي عبد الله الثاني بعد ذلك :

كيف عرفت ان الجمل كان اقطب الذيل؟

فأجابه عبد الله الثاني :

إن من عادة الجمال عند إخراجهم لفضلاتهم، أن يحركوا ذيولهم يمينا وشمالا. وينتج عن ذلك أن البعر او فضلاته تسقط مبعثرة ومفتة نتيجة ذلك. ولكنني لم أرى ذلك في مكان فضلات الجمل. فقد كانت فضلاته غير مبعثرة، ومجتمعة في مكان واحد. فإستنتجت أن الجمل اقطب الذيل. 

ثم بعد ذلك سال القاضي عبد الله الثالث والأخير :

كيف عرفت أن الجمل كان أعرجا ؟ 

فأجابه عبد الله الثالث:

الجواب في غاية البساطة. وهو آثار خف الجمل على الأرض فقد كان يتكأ برجل أكثر من باقي الأرجل. لذا تركت أثرا أعمق في الأرض. فإستنتجت انه أعرج. 

دهش القاضي من فطنتهم وإقتنع بما قالوه، وأعجب بذكائهم وبرأهم من ما نسب إليهم من الرجل. فأمر الرجل أن يبحث عن جمله بعيدا. أما الإخوة الثلاثة فإستضافهم القاضي. وأمر لهم بجناح للراحة بعد تعب الطريق والغذاء. ووعدهم ان يجد حلا لمشكلتهم بعد الراحة. 

🌟القاضي والأحجية الغامضة 

ثم أمر القاضي خادمه بمراقبتهم خلسة. ليعرف ما يدور بينهم من حديث. 

ولكن الأبناء الثلاثة أحسوا بالخادم وهو يتلصص السمع. فلم يكترثوا لذلك وشرعوا في التحدث. 

فقال عبد الله الأول :

إن المرأة التي أعدت الطعام حامل. 

وقال عبد الله الثاني:

إن اللحم الذي أكلناه لحم كلب وليس لحم ماعز. 

وقال عبد الله الثالث.:

إن القاضي إبن زنا. 

فسمع الخادم الحوار كله، وذهب مسرعا ليخبر القاضي بما سمع. 

قسأل القاضي الخادم ماذا هناك وأي أخبار تحمل. 

قال الخادم:

إن احد الأبناء قال ان المرأة التي أعدت طعام الغذاء حامل. 

فذهب القاضي مسرعا دون أن يسمع باقي الحديث. بحيث توجه إلى المرأة التي أعدت الطعام وسألها هل هي حامل. 

فأنكرت ذلك، وبعد أخذ ورد وحوار طويل إعترفت بأنها فعلا حامل. 

فتفاجأ القاضي كيف عرفوا ذلك وهم لم يروها.

ثم عاد مسرعا إلى الخادم سائلا إياه عن باقي الحديث. 

فقال الخادم:

لقد قال أحدهم إن اللحم الذي اكلوه ليس لحم ماعز، بل هو لحم كلب.

 فغضب القاضي مما سمع وهرول مسرعا للتقصي عن الحقيقة، وهل حقا هو لحم كلب. وكيف يجرئون بيعه لحم كلب على أنه لحم ماعز. 

فذهب القاضي إلى الجزار الذي إقتنى منه اللحم. وواجهه بالسؤال فأنكر. فهدده القاضي بالحبس إن لم يعترف بذلك، فأبى رغم ذلك.

فبحثوا في دكانه فوجدوا رؤوس كلاب قد ذبحت. وهنا إعترف انه لم يعد لديه ما يكفي من الماعز، فإضطر لذلك حتى لا يفقد زبنائه. 

 فامر القاضي بحبسه وهو غاضب من ذلك. ولا يستطيع التصور انه أكل لحم كلب. مستغربا من فراسة الفتى الذي علم ذلك وكيف علم. 

فعاد مرة أخرى إلى الخادم قائلا وماذا بعد. 

فأجاب الخادم هذا كل شيء. فعلم القاضي من نبرة صوته أنه يخفي شيئا مهما. فصرخ في وجه الخادم قائلا :

قل لي كل ما سمعت وإلا علقتك على باب البيت. فخاف الخادم وإعترف للتو بكل ما يعرف. 

فقال الخادم :

أما الثالث فقد قال عنك. انك إبن زنا. 

فصعق القاضي من ذلك حتى كاد يغشى عليه من ما سمع.

فذهب إلى أمه لمعرفة الحقيقة. فإستغربت وأنكرت ذلك وسط بكاء من إتهام إبنها. إلا أنه قال لها انه من الأفضل أن تعترف، متظاهرا ان لديه دليل على ذلك. لذا فمن الأحسن أن تعترف حتى لا ينفضح الأمر.

 فإنهارت الأم باكية وإعترفت أنها زنت مع شخص آخر، ونسبته إلى أبوه دون ان يعلم ذلك. متوسلة إخفاء ذلك حتى لا يؤثر على سمعتهما.

🌟حل الاحجية العجيبة

فإستغرب القاضي من هؤلاء الفتيان الثلاثة وما يتمتعون به من ذكاء وفراسة. فطلبهم في ديوانه بعد أن إرتاحوا. 

قائلا لهم كيف عرفتم أن المرأة التي أعدت لكم الطعام حامل. 

فأجاب الأول :

لأن الخبز الذي صاحب الطعام كان سميكا من جهة ورفيعا من الجهة الأخرى. وبالطبع هذا يحدث إلا إن كان هناك ما يعيق المرأة التي عجنته للوصول إلى الجانب الآخر. والحمل يعيق المرأة في الإنحاء كثيرا، حتى وإن كان الحمل في أوله. فعلمت من ذلك أن من سوت الطعام حامل. 

فسأل عبد الله الثاني وانت كيف علمت ان اللحم لكلب وليس ماعز. 

فأجاب : 

إن لحم البقر والغنم والماعز والجمل جميعها تكون حسب الترتيب التالي:

(عظم لحم ثم شحم ) أما الكلب فترتيبه مختلف فنجد (عظم شحم ثم لحم). وبالتالي عرفت ان اللحم لكلب وليس ماعز. فخجلت من قول ذلك أمامك وانت تاكل منه ظانا أنه ماعز. وقد إستضفتنا وأكرمتنا.

فاعجب بأخلاقه وعلمه.

 ثم إنتقل إلى عبد الله الثالث سائلا إياه وهو كله شغف لمعرفة الحقيقة المرة. 

وانت كيف عرفت اني إبن زنا؟ 

فأجابه:

لقد أرسلت لنا احد خدمك ليتجسس علينا، وهذه ليس من اخلاق وشيم النبلاء. وفي العادة هذه الخصلة تكون في إبن الزنا أو أصحاب النفوس الدنيئة والوضيعة. 

ونحن لم نشاهد منك إلا حسن الخلق والكرم. وبالتالي إستنتجت أنك إبن الزنا، فالطبع غلاب رغم سمو الأخلاق. 

🌟حل قضية الأبناء الثلاثة

فقال القاضي :لا يعرف إبن الزنا إلا إبن زنا مثله، لذا فهذه هي الإجابة عن ما جئتموني من أجله. 

انت من لا ترث لأن إبن الزنا. وإبن الزنا لا يرث. فأنت لست إبنا شرعيا لأباك. ورباك دون التفرقة بينكم رغم أنه يعلم جيدا انك لست بإبنه. 

ولكن قبل ان يموت احب ان يرث إلا الأبناء الذين من صلبه. وهذا هو حل قضيتكم وإن سألتم أمكم ستعترف بالحقيقة. فأنتم كلكم أبنائها فأبت ان تكشف الحقيقة حتى لا تحرم احد أبنائها. رغم أنها علمت لغز الوصية. ونبل أباكم أبى ان يفشي هذا السر ويعرف بين الناس.

إقرأ أيضا:👇

قصة الوالي وبائع الحكمة


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-