💬قصص قصيرة فيها حكمة و ذكاء
🌟بائع الحكمة والوالي
خرج في أحد الأيام أحد الولاة متنكرا في زي تاجر. ليتقصى عن أحوال البلاد. وأثناء تجواله في السوق. وقع بصره على دكان قديم، لا يوحي بوجود بضاعة للشراء. والبقالة شبه خالية. فأستغرب الوالي من حال الدكان.
فدخله فإذا برجل طاعن في السن. يجلس على كرسي متهالك، والغبار يحيط به من كل جانب. وثلاث لوحات بجانبه.
فحياه الوالي فرد عليه بثقة وهدوء.
فقال الوالي: جئت السوق باحثا عن بضاعة. ولكن يبدوا أن ليس لديك ما يباع هنا؟
فأجاب الشيخ برزانة: بل عندي أحسن وأثمن بضائع السوق ولن تجد مثلها.
إندهش الوالي وهو يسمع هذا الكلام من صاحب الدكان، وبادر بسؤال الشيخ: وماذا تبيع يا رجل؟
فأجابه: أنا أبيع الحكمة، وقد بعت منها الكثير والكثير، وعادت على مَنْ اشتروها بالخير الوفير، ولم يبق منها سوى ثلاث لوحات.
أمسك الوالي بإحدى اللوحات، ومسح عنها الغبار، فوجد مكتوباً عليها: "فكر قبل أن تفعل"!!
ففكر الوالي في العبارة بتمعن، ثم نظر إلى الرجل وسأله: بكم تبيعني هذه اللوحة؟
فأجابه الرجل بكل هدوءٍ وثقة: أبيعك إياها بعشرة آلاف دينار فقط!
ضحك الوالي طويلاً مستغربا وهو يردد فقط، في حين كان الرجل ساكناً وينظر إلى اللوحة نظرة تقدير.
ثم بادره الوالي سائلاً؛ هل أنت جاد في كلامك يا هذا؟ فقال الرجل: نعم، جاد، ولا مساومة في الثمن ولا نقاش.
كان رفض الرجل قاطعا ودون تردد، فظل الوالي يحاول أن يزيده حتى وصل إلى تسعة آلاف دينار، ولكن الرجل أصرّ إصراراً على السعر الذي نطق به أوّل مرّة، وهو عشرة آلاف دينار.
انصرف الوالي وهو يضحك، يكاد لا يصدق ما سمعه ورآه، وظن أنّ الرجل سيناديه ليقبل بذلك السعر.
ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث.
فسار الوالي وأخذ يتجول في السوق ، وفجأة راودته فكرة سيئة وقبل أن يهم بفعلها تذكر حكمة الرجل العجوز : فكر قبل أن تعمل، فتراجع عن فكرته تلك، فوجد إستحسانا في قلبه ورضا لموقفه هذا، فأدرك قيمة الحكمة فوجد أنه قد انتفع فعلا بها .
ومن ثمّ تحرك سريعاً صوب دكان الرجل الكبير، ولما وصل إليه قال له:
حسنا لقد عزمت أن أشتري هذه اللوحة بالثمن الذي حددته.
فقال الوالي: وما هو الطلب؟
فقال الرجل: طلبي أن تكتب الحكمة التي في هذه اللوحة على باب بيتك، وبأي مكان تستطيعه في بيتك. فاللوحة ليس لها أي معنى إن إشتريتها فقط لتزين بها حائط بيتك. وقد علمت معناها عندما قرأتها.. ولكن سر الحكمة هي كيف ستطبقها. فأنا لا أبيع فقط اللوحة.
فأكمل الشيخ قائلا : يعني أن تكتبها على الباب والحائط وحتى أدواتك التي تستخدمها دائمًا. يعني في كل مكان في بيتك.
فخرج الوالي من عنده ونفذ تعاليمه بالحرف، مقتنعا بما قال له الشيخ.
وتوالت الأيام والشهور. وفكر قائد جند الوالي في التآمر عليه لينفرد بالولاية، ويزيح الوالي. وبالفعل حبك مؤامرة مع حلاق الوالي بعد أن أغراه بإغراءات شتى.
توجّه الحلاق إلى قصر الوالي، فلما وصل إلى باب القصر. رأى مكتوباً على
بابه "فكر قبل أن تفعل"!! فارتبك الحلاق، وارتعدت فرائصه هلعاً وخوفاً،
ولكنّه استجمع جرأته، وعاد لينفذ فعلته.. وبينما هو يمشي في القصر، فإذا به يقرأ هذه الحكمة في كل مكان تقع عليها عيناه: "فكر قبل أن تفعل!!"..
حاول الحلاق أن يهرب من تلك الحكمة، فكلما رآها بعينيه حاول أن يبتعد عنها، فإذا به يجدها في كل أرجاء القصر، فإنتفض جسده من جديد، وشعر بأنّه هو المقصود بتلك العبارة، وأنّ العبارة تتردد على سمعه في كل مكان.
فكر قبل أن تعمل !! . وهنا قرر الحلاق أن يخفض بصره وينظر إلى الأرض ؛ حتى لا يرى تلك العبارة ثانية ، ولكنه حينما فعل ذلك رأى نفس العبارة منقوشة على البساط في الأرض .
فدب الخوف في قلبه. وازداد اضطرابًا ، وحاول أن يتمالك نفسه وهو يدخل حجرة الوالي، ولكن ما إن انفتح الباب حتى رأى تلك اللوحة معلقة وعليها نفس العبارة، ووجدها في لباس وكرسي الوالي وصندوق أدوات الحلاقة. والوالي يجلس بكل هدوء فتأكد أنه هو المقصود. فأنهار وإعترف للوالي على المؤامرة. متضرعا وراجيا عفوه وصفحه.
فعفا عنه الوالي ولكنه أمر بإلقاء القبض على قائد الحرس وأعوانه .
وبعدها وقف الوالي يمعن النظر في تلك الحكمة التي اشتراها من العجوز ، وعلم مدى قوة الحكمة. وأنها أنقذته من الموت
ونفض ما عليها من غبار وأخذ يتأملها في فخر وزهو ، فقرر أن يذهب إلى السوق ثانية، ويشتري حكمة جديدة. ولكن مع الأسف فقد وجد الشيخ قد مات ودكانه مقفول.
فندم على إضاعته الفرصة لشراء الحكمتين التي كانتا في حوزته. فحاول البحث عن معارفه وأصدقائه لعله يجد عندهم حكمة. فقال له الناس: لقد كان يبيع تلك الحكم لمساعدة الفقراء لا لأغراضه الشخصية. فأحس بتأنيب الضمير ومن وقتها تغير سلوك الوالي. وأصبح يسارع لنشر العلم والحكمة ومساعدة الفقراء.